سمعت أن فضيلتكم لا تجيزون "بيع التورق"، وقد كنت قرأت أن جمهور أهل العلم على إباحته، ليس ذلك فحسب، بل أكثر المعاصرين من أهل العلم والدين لا يترددون في الفتوى بجوازه، وقد قرأت هذا في فتاوى اللجنة الدائمة، وفي كلام ابن عثيمين، والمختار الشنقيطي، وغيرهم.. ممن لم يتابع شيخ الإسلام وابن القيم على المنع منه. فأود أن أعلم من فضيلتك وجه المنع من هذا البيع رغم ما فيه من التيسير على المسلمين، ومَن بحاجة إلى المال في هذه الظروف العسيرة؟
جواب السؤال
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهذا النوع من البيع تحايل على الربا واضح، فهو نوع من القرض ملحق بالبيع، كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة"، والعبرة في العقود بالمقاصد لا بالألفاظ، فلماذا نتعب طالب القرض الربوي بأن يشتري سلعة مَن هذا ويبيعها لهذا، ليحصل في النهاية على 10 في مقابل 15، وليس غرضه السلعة.
ويتأكد المنع بعدم قبض السلعة -كما تقوم به بعض البنوك والمصارف التي تدعي أنها إسلامية-؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع ما لم يقبض، والحقيقة أن القياس الصحيح يُلحق التورق ببيع العينة، وقد أجازه مَن هو أكبر من العلماء المعاصرين -كالذين ذكرتَ- كالإمام الشافعي -رحمه الله-، ومع ذلك فقد ثبت النهي عنه؛ لأنه حيلة على الربا.
والتورق عينة بين ثلاثة أطراف يشتري سلعة لا يريدها ولا يحتاج إليها بالتقسيط من واحد ليبيعها لآخر فورًا نقدًا بقيمة أقل فيكون قد قبض 10 وعليه 15، ما الفرق بين هذا وبيْن من يبيعها لنفس الشخص الذي اشتراها منه؟! قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا) (متفق عليه)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (لاَ تَرتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ اليَهُودُ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللهِ بِأَدْنَى الحِيَلِ) (أخرجه ابن بطة في "جزء في الخلع وإبطال الحيل"، وحسنه الألباني)، وراجع فصل: "تحريم الحيل من إعلام الموقعين" للإمام ابن القيم -رحمه الله-.