ميزان العدل عمر بن عبد العزيز

ميزان العدل

عمر بن عبد العزيز



أيّ رجل أنت يا عمر؟أنت الأم التي فرشت فأ نامت

قال مالك بن دينار
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
رحمه الله:لما وليّ عمر, قالت رعاة الشاة في ذروة الجبال: من هذا الخليفة الصالح الذي قد قام على الناس؟ فقيل لهم: وما علمكم بذلك؟ قالوا: انا اذا قام على الناس خليفة صالح, كفت الذئاب والأسد عن شياتنا.

وقال حسن القصار رحمه الله: كنت أحلب الغنم في خلافة عمر, فمررت براع وفي غنمه نحوا من ثلاثين ذئبا حسبتهم كلابا ولم أكن رأيت الذئاب من قبل, فقلت يا راعي! ما ترجو بكل هذه الكلاب؟ فقال: يا بني! انها ليست كلابا, انما هي ذئاب, يا بني!اذا صلح الرأس فليس على الجسد بأس

ان الرعاة لم يعلموا بموت عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الا بعدما رأوا اعتداء وتعرض الذئاب على غنمهم.

استدراجه رضي الله عنه الناس لفعل الخيرات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


قال ميمون بن مهران رحمه الله: أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز قال لأبيه: يا أبة! ما يمنعك أن تمضي لما تريد من العدل؟ فوالله, ما كنت أبالي لوغلت بي وبك القدور في ذلك, فقال رضي الله عنه: يا بني! انما أروّض الناس رياضة الصعب, اني أريد أن أحيي الأمور من العدل, فأؤخر ذلك حتى أخرج معه طمعا من طمع الدنيا, فينفروا لهذه ويسكنوا لهذه, ثم قال: ما طاوعني الناس على ما أردت من الحق حتى بسطت لهم من الدنيا شيئا.
واما عن اقتصاده في مال الأمة وحفاظه عليها فله فيها جولات وصولات, ولو أنّ كل والي أمر أمة سار على منهجه رضي الله عنه ما وجدنا فقيرا ولا محتاجا في بلاد الاسلام المليئة بالخيرات.

رأيه بكسوة الكعبة المشرفة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لقد سألوه ضي الله عنه ذات يوم بعضا من المال لكسوة الكعبة, وهذا أمر كان معمول به في الخلفاء الذين سبقوه, فقال لهم: أطعم الأكباد الجائعة أولا, ومن ثم نكسي الكعبة.
قال ميسر بن أبي الفرات رحمه الله: كتبت الحجبة الى عمر بن عبد العزيز بأمر للبيت بكسوة, كما كان يفعل من كان قبله, فكتب اليهم: اني رأيت ان أجعل ذلك في أكباد جائعة, فانه أولى بذلك من البيت.

جوابة رضى اللة عنة على عمرو بن حزم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عمرو بن حزم كان واليا على المدينة, وقد كان قد كتب رسالة الى عمر يسأله فيها أن يصرف له معونة شمع كي يستضيء بها هو وعماله أثناء ذهابهم الى المسجد, فردّ عليه رضي الله عنه بهذه الرساله:
أما بعد, فانك كتبت الى سليمان كتبا لم ينظر فيها حتى قبض, رحمه الله, وقد بليت بجوابك, فاستمع: كتبت الى سليمان تذكر أنه يقطع لعمال المدينة من بيت مال المسلمين لثمن شمع كانوا يستضيئون به حين يخرجون الى صلاة العشاء وصلاة الفجر, وتذكر أنه قد نفذ الذي كان يستضاء به, وتسأل ان يقطع لك من ثمنه ما كان للعمال, وقد عهدتك وأنت تخرج من بيتك في الليلة المظلمة الماطرة الموحلة بغير سراج, ولعمري لأنت يومئذ خير منك اليوم, والسلام.

أحد ولاته يفقد دينارا من عهدته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان وهب بن منبه امينا على بيت مال المسلمين في اليمن, فكتب الى عمر رحمه الله: اني فقدت من بيت مال المسلمين دينارا, فكتب له عمر رضي الله عنه:
اني لا أتهم دينك ولا أمانتك, ولكن أتهم تفريطك وتضييعك, وانا حجيج المسلمين في أموالهم, والسلام.

نهيه لولاته عن الاقتداء بسنن الحجاج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحجاج بن يوسف الثقفي سفاح عصره, وقد توفي الحجاج قبل تولي عمر بن عبد العزيز الخلافة بأربع سنوات تقريبا, فعمر رضي الله عنه تولى الخلافة سنة 99 للهجرة, والحجاج توفي سنة 95 للهجرة, وعندما تستلم عمر الخلافة وبلغه أن هناك من ولاته من يستن بسنن الحجاج, فكتب الى عدي بن أرطأة احد ولاته قائلا: اما بعد, بلغني أنك تستن بسنن الحجاج, فلا تستنّ بسننه, فانه ذلك أضيع, وكم أكره أن أتأسى به, أنهاك عن أمور كان الحجاج بن يوسف يفعلها, وأنهاك عن اقتداءك بها, فانّ الحجاج كان بلاء وافق خطيئة قوم بأعمالهم, أنهاك عن فعله في الصلاة, فانه كان يؤخرها تأخيرا لا يحلّ له, وأنهاك عن فعله في الزكاة, فانه كان يأخذها في غير حقها ثم يسيء مواقعها فاجتنب ذلك منه, واحذر العمل به, فانّ الله عزوجل قد أراح منه, وطهّر العباد والبلاد من شرّه, والسلام.

يحسد الحجاج على ثلاث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فعلى الرغم من بغض عمر رضي الله عنه للحجاج, الا أنه كان يحسده على ثلاث, فيقول: ما حسدت الحجاج - عدو الله على شيء حسدي اياه: على حبه للقرآن, واعطاءه أهله, وقوله حين حضرته الوفاة: اللهم اغفر لي فانّ الناس يزعمون أنك لا تفعل.
وقال رضي الله عنه: لوأنّ الأمم تخابثت, فجاؤوا بأخبثها رجلا, وجئنا نحن بالحجاج, لظننا أنا سنغلبهم, واني لأظنّ كلمة تنجّيه عندي: قوله عند الموت: رب اغفر لي فانّ الناس يزعمون أنك لا تغفر لي.

نهيه رضي الله عنه عن سب الظالم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عن رياح بن عبيدة رحمه الله قال: كنت جالسا عند عمر بن عبد العزيز, فذكر الحجاج, فشتمته, ووقعت فيه, فقال لي عمر: مهلا يا رياح, انه بلغني أنّ الرجل ليظلم, فلا يزال المظلوم يشتم الظالم وينتقصه حتى يستوفي حقه, ويكون للظالم الفضل عليه.

حصّن مدينتك بالعدل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتب بعض ولاة عمر رضي الله عنه اليه فقال: فانّ مدينتنا قد خربت, فان يرى أمير المؤمنين أن يقطع لنا مالا نرممّها به, فكتب اليه رضي الله عنه: أما بعد, فقد فهمت كتابك, وما ذكرت انّ مدينتكم قد خربت, فاذا قرأت كتابي هذا فحصنها بالعدل, ونقّ طرفيها من الظلم, فانه مرمتها, والسلام.

لا تستعملوا الا أهل القرآن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أي لا تضعوا أمراء على الدول الا من أهل القرآن.
كتب عدي بن أرطأة أحد ولاة عمر رضي الله عنه كتاب جاء فيه: اما بعد, فانّ الناس قد كثروا في الاسلام, وخفت أن يقلّ الخراج, فرد عليه عمر رضي الله عنه: فهمت كتابك, والله لوددت أنّ الناس كلهم أسلموا حتى نكون أنا وأنت حراثين ناكل من كسب أيدينا.
وكان رحمه الله قد كتب لولاته ألا يوظفوا أحدا من غير المسلمين, فردوا عليه: يا أمير المؤمنين! انا استعملنا أهل القرآن فوجدناهم خونة, فكتب اليهم: اياكم أن يبلغني عنكم أن استعملتم على شيء من أعمالنا الا أهل القرآن, فانه ان لم يكن عند أهل القرآن خير, فغيرهم أحرى بألا يكون عندهم خير.

تذكر قدرة الله عليك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتب عمر رضي الله عنه الى أحد ولاته موعظة فقال: أما بعد, فاذا دعتك قدرتك على الناس الى ظلمهم, فاذكر قدرة الله عليك في نفاذ ما يأتي اليهم وبقاء ما يؤتى اليك.

ليلة صباحها يوم القيامة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لقد كان رضي الله عنه كثيرا ما يذكّر ولاته بأطول ليلة في القبر, ليلة صباحها يوم القيامة, وقد كتبها الى عدي بن أرطأة فقال: اما بعد, فاني أذكرّك ليلة تمخض بالساعة, فصباحها القيامة, يا لها من ليلة, ويا له من صباح, كان على الكافرين عسيرا.


أين نساء أمة هذه الأيام منك يا فاطمة؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من هي فاطمة التي نبحث عنها بين نساء الأمة؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ


هي علم من أعلام المسلمات لا يندر وجود أمثالها في هذا الزمن بل ويستحيل, انها فاطمة بنت عبد الملك بن مروان بن الحكم من بني أمية, ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب, فأبوها الخليفة الموي عبد الملك بن مروان, واخوتها الأربعة الوليد وسليمان ويزيد وهشام هم خلفاء بحكم الوراثة, وعندما خطبت الى ابن عمها عمر بن عبد العزيز قبل أن يكون خليفة للمسلمين وقد زفت اليه محملة بالجواهر والذهب, وبعدما تولى عمر الخلافة خيّرها عمر بأن تختار الدنيا من الآخرة, خيرها بأن تختار الذهب والجواهر الذي معها أو عمر الزوج , ولأنها تربت في مدرسة عمر الاسلامية ونهلت من مناهل القرآن الكريم فقد اختارت الآخرة عن الدنيا, اختارت عمر الزوج عن جواهرها , فاخذ عمر جواهرها ووضعها في بيت مال المسلمين لتكون للفقاراء والمساكين وقال له: جعلني الله واياك يا عمر فداء لله ولرسوله, وكان عمر يومها يأكل خبزه بحصاص ملحه.
ذات يوم من أيام العيد جاءت بنات عمر وقلت له يا أمير المؤمنين! العيد عدا وليس عندنا ثيابا جديدة نلبسها, فنظر عمر الى بناته وقال لهنّ: انّ العيد ليس بلبس الجدي, انه بالخوف من يوم الوعيد.
وعندما حضرته الوفاة ترك خمسة عشر ولدا مابن ذكور واناث, وعاده الناس على فراش الموت وسألوه ماذا تركت لأبناءك يا عمر؟ فقال: تركت لهم الله, فان كانوا صالحين فالله تعالى يتولى أمرهم, وان كانوا غير ذلك فلو تركت لهم مال الدنيا فلن ينفعهم, ثم قال لزائريه: انصرفوا عني الآن, فدخلت عليه الزوجة الصابرة المحتسبة الأمينة الوفية الواهدة العابدة وهو يجود بروحه الطاهرة في سكرات الموت فقال لها: يا فاطمة! اخرجي الآن فاني أرى خلقا يزاحمون على مكاني هذا , وارى خلقا غريبا ذوي أجنحة لم أرهم قبلا, يا فاطمة أخرجي فانه آن للغريب أن يرى حماه.. وآن للغريب أن يرى رباه.. وآن للغريب أن يعود الى دار البقاء.. اخرجي يا فاطمة: فانّ الروح تزف لأن تصل الى خالقها الأعظم, الى روح ستكون في ضيافة الرحمن, ثم شخص ببصره الى السماء وأخذ يردد قوله تعالى: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون في الأرض علوا ولا فسادا والعاقيبة للمتقين, وما زال يررها حتى ختم الله عزوجل له بها.وأسلم الروح الى بارئها وهو يرددها.
وتولى الخلافة بعده يزيد بن عبد الملك أخو فاطمة , فقال لها: يا فاطمة! أنا أعلم أن عمر أخذ مالك كله ووضعه في بيت المال, أتأذنين أن أعيده اليك؟ فقالت له بلسان الحق: ماذا تقول يا يزيد؟ أتريد أن آخذ شيئا وضعه عمر في بيت مال المسلمين؟ فو الله الذي لا اله الا هو لن أعطيه حيا وأغضبه ميتا أبدا, وما غادرت بيتها قط بعد عمر حتى وافتها المنية رضي الله عنها.
كانت هكذا خلافة عمر 29 شهرا فقط كانت أفضل عند الله من ثلاثين قرنا
لقد خلف عمر احدى عشر ولدا وترك 18 دينارا كفن منها باربعة واشترى له قبرا بخمسة ووزع الباقي على اولاده, وسئل احد الأيام عن أولاده فقال: اولادي أحد اثنين: اما متق يتقي الله فيجعل له كم أمره مخرجا, واما عاص فأنا لا أترك في يده شيئا يستعين بعه على معصية الله.
ذات يوم دخل أحد أبناء عمر على أبيه فقال له: يا ابت علمت أنك ستوقف هذه الضيعة لأموال المسلمين, فقال له عمر: نعم يا بني ان شاء الله في الصباح أفعل.. فقال له الابن البار: فخير البر عاجله يا ابت, وما يدريك أنك ستعيش الى الغد ؟ فقم الآن وأنجز ما نويت عليه.
هكذا انتقل الورع الى أبناءه .
وقبل وفاته بأيام جمع أولاده جميعا وقال لهم: يا أولادي كنت أتمنى أن أترككم في رغد من العيش ووافر من النعمة ولكني علمت أنكم لا ترضون لآبيكم أن يترككم في خير ويقف هو أمام الله ليحاسب عليه.
هكذا كان عمر, والى كم عمر نحتاج من الرجال في عصرنا هذا.. والى كم فاطمة نحتاج من النساء
ولا ينصلح حال أخر هذه الأمة الا بما صلح أولها فلم يؤمن عمر زوجته على أبناءهما بمال ولا جاه ولا بيت ولا عقار وانما آمن عليهم بورع وتقوى وخشية , بتعمير القلوب بتقوى الله عزوجل.

لم تذكر الروايات زوجة غيرها لعمر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وعلى الرغم من أن عمر بن عبد العزيز قد تزوج بأربع نسوة وأنجب منهن ستة عشرة ما بين ذكر وانثى, الا أنّ الروايات التي تناولت سيرته العطرة لم تذكر لنا سوى ابنة عمه فاطمة بنت عبد الملك رضي الله عنها.

لقد وضعها رضي الله عنها أمام خيار صعب, ليس فقط من المستحيل, بل من سابع المستحيلات أن ينحقق في نساء اليوم أو أن توافق عليه زوجات هذه الأيام, ولكن لأنّ الطيبات للطيبون كما قال الله تبارك وتعالى, لقد قال لها رضي الله عنهما: اما أن تردّي حليّك الى بيت المال, واما أن تأذني لي في فراقك؟ فاني أكره أن أكون أنا وأنت في بيت واحد, فقالت: لا بل أختارك يا أمير المؤمنين عليه, وعلى أضعافه.

وبعد وفاته رضي الله عنه, واستخلف أخاها يزيد الخلافة سألها: يا فاطمة! ان شئت رددت جواهرك عليك ؟ فقالت رضي الله عنها: فاني لا أشاؤه, أطبت عنه نفسا في حياة عمر, وأرجع عنه بعد موته؟ لا والله أدبا!

فلما وقف على اجابتها تلك, أخذه لنفسه وقسّمه بين أهله وولده, ولأجل أمثال هذا الخليفة الواسع الذمة, لم تعد الغنم تأمن على نفسها من الأسود, ولا الخراف تأمن على نفسها من الثعالب, ورحمك الله يا عمر ورضي الله عنك وأرضاك.

نفور بني أميه منه بسبب عدله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لما وليّ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الخلافة جعل لا يدع شيئا مما كان في يده ويد أهل بيته من المظالم الا ردّها على أصحابها مظلمة مظلمة, فلما بلغ ذلك عمر بن الوليد بن عبد الملك كتب اليه يقول: انك أزريت على من كان قبلك من الخلفاء, وعبت عليهم وسرت بغير سيرتهم بغضا لهم وشنآنا لمن بعدهم من أولادهم, قطعت ما أمر الله به أن يوصل, اذ عمدت الى أموال قريش ومواريثهم فأدخلتها بيت المال جورا وعدوانا, اتق الله يا ابن عبد العزيز وراقبه ان شططت, لم تطمئن على منبرك حتى خصصت أول قرابتك بالظلم والجور, فوالذي خصّ محمدا صلى الله عليه وسلم بما خصّه به , لقد ازددت عن الله بعدا في ولايتك هذه, اذ زعمت أنها عليك بلاء, فاقصر بعض مليك, واعلم بأنك بعين جبار وفي قبضته, ولن نترك على هذا.
فلما قرأ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كتاب عمر بن الوليد كتب اليه كتابا جعله عبرة لمن لا يعتبر, جاء فيه رضي الله عنه:

بسم الله الرحمن الرحيم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من عبد الله عمرأمير المؤمنين الى عمر بن الوليد
السلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين, اما بعد,
فانه بلغني كتابك وسأجيبك بنحو منه, أما أول شانك يا ابن الوليد كما زعم, فأمك بنانة أمة السكون كانت تطوف في سوق حمص وتدخل في حواشيها, ثم الله أعلم بما اشتراها ذبيان بن ذبيان من فيء المسلمين, فأهداها لأبيك, فحملت بك, فبئس المحمول وبئس المولود, ثم نشأت فكنت جبّارا عنيدا, تزعم أني من الظالمين لما حرمتك وأهل بيتك فيء الله عزوجل الذي فيه حق القرابة والمساكين والأرامل, وانّ أظلم مني وأترك لعهد الله: هو من استعملك صبيا سفيها على جند المسلمين تحكم بينهم برأيك, ولم تكن له في ذلك نيّة الا حب الوالد لولده, فويل لك وويل لأبيك وما أكثر خصماؤكما يوم القيامة, وكيف ينجو أبوك من خصمائه, وانّ اظلم مني وأترك لعهد الله هو من استعمل الحجاج بن يوسف على خمس العرب, يسفك الدم الحرام, ويأخذ المال الحرام. وانّ اظلم مني وأترك لعهد الله: هو من استعمل قرة بن شريك أعرابيا جافيا على مصر وأذن له في المعازف واللهو والشرب, وانّ أظلم مني وأترك لعهد الله: هو من جعل لعابية البربرية سهما في خمس العرب, فرويدا يا ابن بنانة, فلو التقت حلقتا البطان, وردّ الفيء الى أهله, لتفرغت لك ولأهل بيتك, فوضعتهم على المحجة البيضاء, فطالما تركتم الحق, وأخذتم في بينات الطريق, وما وراء هذا من الفضل, ما أرجو أن أكون رأيته بيع رقبتك, وقسم ثمنك بين اليتامى والمساكين والأرامل, فانّ لكل فيك حقا, والسلام علينا ولا ينال سلام الله الظالمين.